سيف الاعلان يمزق آوصال الدراما

تحقيق: تهاني عيد و احمد بيرمي
أصدرت المحكمة الهولندية العليا قرار بإلزام إحدي القنوات الفضائية الهولندية بدفع غرامة مالية كبيرة بسبب عرضها لإعلانات خلال أحد الأعمال السينمائية المقدمة علي شاشة القناة. جاء الحكم بعد الدعوي القضائية التي رفعها فريق عمل فيلم هولندي ضد المحطة الفضائية مطالبين بوقف عرض الإعلانات داخل الأعمال السينمائية لتجنب تشويه العمل الفني سواء كان فيلما أو مسلسل تليفزيوني وحفاظا علي حقوق المؤلف والمخرج وفريق العمل.. حكم المحكمة كان ملزما لكل القنوات الأرضية والفضائية الهولندية.
فهل مثل هذا القرار قابل للتطبيق في مصر؟ وما الأسس التي تنظم بناء عليها الإعلانات المعروضة.. وكيف يري صنٌاع الأفلام هذه المسألة؟!
الدكتور حسين أمين أستاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية أوضح أن هولندا تتبع الاتحاد الأوروبي والذي بدوره تبعا لوثيقة تليفزيونية بلا حدود لعام 1989 والتي عدلت في عام 1997 وقانون البث المسموع والمرئي لعام 2002 والمعدلة عام 2004، تبعا لهذه الاتفاقيات تسعي لبدء خطة تصحيح داخل القنوات الأوروبية بشكل كامل خاصة في مجال الإعلانات. وأكد د. حسين أنه من حق المواطن أن يشاهد ما يرغب في مشاهدته سواء فيلم سينمائي أو عمل تليفزيوني بدون فواصل إعلانية غير المنصوص عليها في الاتفاقية.
ويشرح أمين الفواصل الإعلانية التي من المفترض أن تطبق في جميع أنحاء أوروبا خلال العام الحالي قائلا: 'علي مدار ساعة البث الدرامي لن تزيد الفواصل الإعلانية عن خمس فواصل لا تتعدي الفترة الزمنية لكل فاصل 30 ثانية، أي إخلال بهذا الشرط سيعرض القناة لعقوبات رادعة من الاتحاد الأوروبي الذي يضمن حقوق المواطن ويعتبر أن حقوق المشاهدة ضمن حقوق الإنسان'.
وعن إمكانية تطبيق مثل هذه الاتفاقية في مصر يقول: 'يجب علينا أن نتبع مثل هذه الاتفاقيات الدولية، وعلينا في مصر أن نعترف أن حق المشاهدة هو حق أصيل من حقوق المواطن.. الفواصل الإعلانية عندنا تسير بقدر كبير من العشوائية، فعلي سبيل المثال في دول الاتحاد الأوروبي لا يجوز وضع فاصل إعلاني دون التنويه عنه لتهيئة المشاهد أنه مقبل علي فاصل فيستطيع التركيز في متابعة ما يشاهده واستكماله بعد 30 ثانية، والفواصل الخمسة بمقدار 30 ثانية للفاصل لم تأت تلقائيا بل جاءت بعد دراسات كثيرة ومتعمقة لما يسمي recall and comprehension أو 'التكر والاستيعاب' وهو علم تليفزيوني يهتم بقدرة المشاهد علي الاستيعاب والوقت اللازمين لهذه العملية.
وعن مواعيد الفواصل الإعلانية التي تأتي غالبا في أوقات غير ملائمة داخل العمل الفني سواء في وسط مشهد أو داخل أغنية يقول: علينا أن نري الدول المتقدمة في هذا المجال ودراسة ما يقومون به، لكن طالما سلمنا الأمر لحرفيين ليس لديهم أي حس فني أو ثقافي لا نستطيع أن نتوقع إتقان مهني محترف.
ولم يستطع د. حسين أمين تفويت الفرصة دون أن يعلن عن فقدان أمله في القنوات المصرية والعربية التي أصبحت تفضل المادة الإعلانية علي حساب المادة الأساسية التي تجذب الجمهور سواء فيلمية أو تليفزيونية، وأن هذه القنوات لا تدرك أن المشاهد سيهرب من أمام الشاشة لا محالة إذا استمرت علي هذا المنوال. وأنه شخصيا ترك القنوات الفضائية بإعلاناتها واتجه إلي سوق الDVD.
إعلانات استفزازية
السيناريست تامر حبيب يقول: أنا مع عدم إذاعة أي فواصل إعلانية داخل العمل الفني سواء فيلم أو مسلسل، لأن هذه الإعلانات من أكثر الأشياء التي تستفزني في حياتي، لذلك أبحث عن بعض القنوات الفضائية والتي لا تعرض الإعلانات داخل الأفلام وأحرص باستمرار علي متابعة هذه القنوات، ولا أفكر في متابعة القنوات التي تسعي وراء الإعلانات بغض النظر عن المضمون الثقافي الذي تقدمه إلا إذا كنت مضطرا.
ويري تامر حبيب أن المشكلة تكمن في الناس أنفسهم لأنهم ارتضوا مثل هذا الأمر والذي أصبح الآن كالقدر المكتوب علي المصريين. ويقول: علي الناس أن تعلن أنها ترفض مثل هذه الإعلانات المبالغ فيها.. العمل الدرامي في الأساس هدفه الانعزال عن العالم الخارجي وعلي المشاهد أن ينفصل تماما عن واقعه ويغوص في تفاصيل الحدوتة المقدمة له، والتي يبذل في سبيلها 'الحدوتة' فريق العمل من مؤلف ومخرج وطاقم عمل مجهود كبير لإيصال إحساس معين للمتلقي. فعلي سبيل المثال أثناء عرض فيلمي 'عن العشق والهوي' علي القنوات الفضائية دائما ما كان يأتي فاصل وسط أحد أهم المشاهد في كامل تركيزه وانغماسه وإدراكه للأحداث.. ويأخذ الأمر من دقائق حتي يعود لحالته الأولي.. وبعض المشاهدين لا يستطيعون التأقلم بسرعة مع هذه الفواصل.
[i]